الجمعة، 22 يونيو 2012

لماذا لا نعيش ؟


      كان يا ما كان في قديم الزمان .. كان هناك مزارعان يعملان في مزرعة واحدة .. يعيشون عيشة هنيئة إلى أن جاءهم الدخيل ! ما الذي حصل !؟
     ذهب هذا الدخيل إلى المزارع الأول و قال له : مرحبا .. كيف حال المزرعة ؟, فأجابه : في أحسن حال الحمد لله , ثم قال له الدخيل : أنت غريب الأطوار !, فرد عليه المزارع بـ: لماذا !؟ , فأجاب الدخيل : أنت انسان حر  ! لماذا يفرض عليك ما يريده رفيقك !؟ ما الداعي إلى التقيد برأيه ! أنت  حر ! لا حد لحريتك ! فأجابه المزارع : صدقت ! , فقام و عمل ما يريده هو دون أن يرجع إلى رأي رفيقه.
     ثم ذهب الدخيل إلى المزارع الثاني و قال : مرحبا .. كيف حال المزرعة ؟, فأجابه : الحمد لله كل الأمور بخير, فقال له الدخيل : أنت غريب الأطوار ! فسأل المزارع الثاني عن السبب فأجابه الدخيل : أنت من الشيعة .. كيف ترضى أن تشتغل في مزرعة مع من يخالفك من السنة ! فقال له المزارع الثاني صدقت , و ذهب من فوره و عمل ما يشاء في المزرعة من دون أن يرجع إلى رفيقه .
      حتى أتى وقت الحصاد .. و لم يكن هناك حصاد  .. بل ماتت كل الزروع ! لماذا ! ما الذي حصل !؟
      الذي حصل أنهم كانوا يعيشون متوافقين متلائمين على الرغم من اختلافهم في الآراء و التوجهات .. و لكنهم يقدمون مصلحة المزرعة على اختلافاتهم أيا كانت.
     حتى أتاهم الدخيل و أشعل النار في قلوبهم .. ففسدوا .. و فسدت قلوبهم .. و انعدمت الثقة بينهم  .. ففسدت مزرعتهم , و لكن لم تنتهي أحداث القصة بعد ! و لن أكملها !
     لماذا ؟ لان العلاج واضح لديكم .. لنعيش لمصلحة البلاد .. لنسمع .. لنحاور .. لنتقبل .. لنحترم .. لكي نعيش و ليخرس الدخيل !
و ختاما .. تساءلت و من حقي أن أتساءل .. لأنني إنسان .. و لأنني أفكر .. و أتمنى أن تتساءلوا .. لماذا لا نعيش !؟

الأربعاء، 11 أبريل 2012

قداسة الشيخ .. و لوحة المريد !

  
   أنا الشيخ .. أثنيت الركب على الشيوخ منذ الصغر .. طلبت العلم على فلان و فلان .. حفظت المتون و لم أترك حفظ شروحها .. تجرعت الأدب قبل العلم .. حفظت القرآن منذ الصغر .. و ختمته قبل الكبر .. تعلمت العقيدة حتى رسخت في عقلي .. اتبعت السنة .. و سعيت لأن اعمل بما علمت .. اشتعل الشيب في رأسي و لحيتي وأنا بين كتبي .. أدرسها و أتدارسها مرارا .. و مرارا .. و مرارا !
      لوحة جميلة جمعت بعض خصال الشيوخ الأجلاء .. هي لوحة جميلة و إن نقصت .. و لكن عندما يأت المريد .. إما أن يزيدها جمالا .. أو يقوم بتشويهها برسم الهالة القدسية على رأس شيخه و هنا تقع الكارثة ! و لكن أحيانا تنعكس الآية .. فيأت الشيخ و على رأسه الهالة .. و يقوم بتشويه عقول مريديه و هنا تكون الكارثة أكبر !
     الهالة القدسية .. و ما أدراك ما الهالة القدسية و ما يتبعها ! , فبعد أن ينتهي المريد من رسم الهالة مباشرة.. يلغى العقل .. و يصبح الطالب كما تعبر الصوفية كالميت بين يدي المغسل .. أو هو كالعجينة يشكلها – أي الشيخ – كيف يشاء , تابعا لشيخه .. خاضعا لما يقول شعر بذلك أم لم يشعر .. يطوق العقل بأغلال ثقيلة و يتقوقع على نفسه .. لا يقبل الحق من غيره .. بل يستحيل أن يكون الحق مع غيره .. وكيف يكون الحق مع غيره و شيخه هو الحق الذي لا يشوبه الباطل .. إن هو إلا وحي يوحى !
     بعد التطويق و التقوقع .. يأت دور سلاح التخويف .. فيصاب الطالب بـ(فوبيا المخالف ) .. يخاف منه و من كتبه لأنها باطل محض و كيف يكون فيها حق و شيخي حذرني منها ووصفها بأشنع الأوصاف .. فتتم عملية الإقصاء و الحذف, و هنا يأت دور غرس مفهوم الفرقة الناجية ! و إن أراد أن يرى رأي المخالف .. ليس لاحتمالية أن يكون الحق معه – هذا مستحيل كما قدمنا-  .. بل ليرد عليه !
      و بعد  ذلك ترتفع مستوى أقوال شيخه من مجرد اجتهادات إلى مستوى القرآن و السنة في العصمة – شعر بذلك المريد أم لم يشعر-.. إن قال له مخالفه : قال الله في كتابه العزيز كذا .. قال: قال الشيخ فلان !!! بل أحيانا يكفي ذكر المخالف له قول من أقوال الشيوخ الثقات عنده حتى يخرس !!
     شيء مؤلم جدا أن تغل العقول و تتبع شيوخها في كل شيء .. حينها ينعدم الإبداع .. و تختفي كل آثار التجرد و الإنصاف .. و تتفاقم المصيبة عندما يرث الطالب من شيخة سوء أدبه و فجوره في خصومه !
      قال النبي صلى الله عليه و سلم في تفسير قوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله )) قال صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قال عدي : بلى . فقال صلى الله عليه و سلم (( فتلك عبادتهم )) .. و ليس بعد قول الله سبحانه و قول رسوله صلى الله عليه و سلم قول أفضل .. فتفكر !

الأحد، 8 أبريل 2012

محاكم التفتيش .. بين جاليليو و ابن تيمية !


  ( اعتبار تصديق ما يتم إثباته هرطقه .. هو بالتأكيد مضر للروح !) هكذا قالها جاليليو .. عالم الفلك الإيطالي الذي نافح عن الحقيقة ضد الطغيان الفكري السائد في عصره, كان للكنيسة -السلطة العظمى في زمانها - مسلمات عقائدية و فكرية عديدة, فرضتها على الناس بحجة أنها من أصول الدين و ما جاء به الكتاب المقدس !, فمنعت الناس من التفكير و جرمت العلم و العلماء, بل عدت من يخرج عن هذه المسلمات مجرم و مهرطق يجب إعدامه !
        و من هذه المسلمات الكنسية أن الأرض مركز الكون, فأتى كوبرنيكوس و حطم هذه النظرية باكتشافه أن الشمس هي المركز و الأرض و الكواكب الأخرى تدور حولها , فأيده بذلك جاليليو, فراحت الكنيسة تصرخ في وجوههم إن لم يعودوا عن قولهم سيقتلون شر قتله, كما عذب العلماء و المفكرين غيرهم إما بالتقطيع او بالحرق حتى الموت, و لم تكتف الكنيسة بتعذيب العلماء النصارى بل حتى للمخالفين لها فمدت يدها القذرة إلى المسلمين في الأندلس و أهدرت دمائهم.
       وتاريخ أوروبا في هذه العصور المسماة بعصور الظلمات مملوءة بدماء العلماء بل تكاد تغرق من كثرة الجرائم الشنيعة التي وجهت للعلماء و للمسلمين, و ما يجهله البعض أن حتى تاريخنا الإسلامي تواجدت فيه مثل هذه المحاكم ولو بصورة غير رسمية !, بل يزخر تاريخنا بهذه الجرائم الشنيعة التي وجهت للعلماء و المفكرين, كابن تيمية مثلا , فحكم عليه بالسجن بسبب رأيه في مسألة الزيارة , ومات هناك, و الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد ابن عبد الله القسري في يوم عيد الأضحى لكلامه في خلة ابراهيم عليه السلام لله و كلامه في صفة كلام الله, فقتل كما تقتل الشاة !, و غيلان الدمشقي صلب و قتل بسبب قوله في القدر , و الإمام أحمد ابن حنبل سجن و عذب لامتناعه من القول بخلق القرآن و قتل من قتل في تلك المحنة و قال بخلق لقرآن من قال إكراها لا إيمانا ! رحمهم الله أجمعين
     فحتى لا نكذب على أنفسنا و لا نلبس تاريخنا لباس الجمال و الرونق و نتغاضى عن الجرائم التي وقعت في حق المسلمين, فكما نلاحظ على مر العصور و في مختلف الأزمان و المكان, كلما وصل الفكر – أي فكر – إلى سلطة ساد العنف الموجه للمخالفين له إما بالسجن أو التعذيب أو النفي أو حتى القتل !
    بل هذه الجرائم لم تقتصر فقط على تاريخنا الماضي بل حتى في هذه العصور الأخيرة !, كالذي حصل لسيد قطب رحمه الله و جماعة الأخوان المسلمين في عهده من سجن و تعذيب و إعدام ! رحمهم الله تعالى رحمه واسعة.
     و حتى لا يحمل أحد مقالي هذا غير ما قصدته أقول, لم اكتب هذا المقال لتفنيد عقائد و بيان الحق من الباطل ولا للدفاع عن عالم دون آخر.. و إنما أردت أن أبين وجود العنف و الطغيان الفكري في تاريخنا.. فلا نستطيع أن نعالج دون أن نعرف موطن المرض!
كتبه : مشعل الأنصاري