الأربعاء، 11 أبريل 2012

قداسة الشيخ .. و لوحة المريد !

  
   أنا الشيخ .. أثنيت الركب على الشيوخ منذ الصغر .. طلبت العلم على فلان و فلان .. حفظت المتون و لم أترك حفظ شروحها .. تجرعت الأدب قبل العلم .. حفظت القرآن منذ الصغر .. و ختمته قبل الكبر .. تعلمت العقيدة حتى رسخت في عقلي .. اتبعت السنة .. و سعيت لأن اعمل بما علمت .. اشتعل الشيب في رأسي و لحيتي وأنا بين كتبي .. أدرسها و أتدارسها مرارا .. و مرارا .. و مرارا !
      لوحة جميلة جمعت بعض خصال الشيوخ الأجلاء .. هي لوحة جميلة و إن نقصت .. و لكن عندما يأت المريد .. إما أن يزيدها جمالا .. أو يقوم بتشويهها برسم الهالة القدسية على رأس شيخه و هنا تقع الكارثة ! و لكن أحيانا تنعكس الآية .. فيأت الشيخ و على رأسه الهالة .. و يقوم بتشويه عقول مريديه و هنا تكون الكارثة أكبر !
     الهالة القدسية .. و ما أدراك ما الهالة القدسية و ما يتبعها ! , فبعد أن ينتهي المريد من رسم الهالة مباشرة.. يلغى العقل .. و يصبح الطالب كما تعبر الصوفية كالميت بين يدي المغسل .. أو هو كالعجينة يشكلها – أي الشيخ – كيف يشاء , تابعا لشيخه .. خاضعا لما يقول شعر بذلك أم لم يشعر .. يطوق العقل بأغلال ثقيلة و يتقوقع على نفسه .. لا يقبل الحق من غيره .. بل يستحيل أن يكون الحق مع غيره .. وكيف يكون الحق مع غيره و شيخه هو الحق الذي لا يشوبه الباطل .. إن هو إلا وحي يوحى !
     بعد التطويق و التقوقع .. يأت دور سلاح التخويف .. فيصاب الطالب بـ(فوبيا المخالف ) .. يخاف منه و من كتبه لأنها باطل محض و كيف يكون فيها حق و شيخي حذرني منها ووصفها بأشنع الأوصاف .. فتتم عملية الإقصاء و الحذف, و هنا يأت دور غرس مفهوم الفرقة الناجية ! و إن أراد أن يرى رأي المخالف .. ليس لاحتمالية أن يكون الحق معه – هذا مستحيل كما قدمنا-  .. بل ليرد عليه !
      و بعد  ذلك ترتفع مستوى أقوال شيخه من مجرد اجتهادات إلى مستوى القرآن و السنة في العصمة – شعر بذلك المريد أم لم يشعر-.. إن قال له مخالفه : قال الله في كتابه العزيز كذا .. قال: قال الشيخ فلان !!! بل أحيانا يكفي ذكر المخالف له قول من أقوال الشيوخ الثقات عنده حتى يخرس !!
     شيء مؤلم جدا أن تغل العقول و تتبع شيوخها في كل شيء .. حينها ينعدم الإبداع .. و تختفي كل آثار التجرد و الإنصاف .. و تتفاقم المصيبة عندما يرث الطالب من شيخة سوء أدبه و فجوره في خصومه !
      قال النبي صلى الله عليه و سلم في تفسير قوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله )) قال صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قال عدي : بلى . فقال صلى الله عليه و سلم (( فتلك عبادتهم )) .. و ليس بعد قول الله سبحانه و قول رسوله صلى الله عليه و سلم قول أفضل .. فتفكر !

هناك تعليقان (2):

  1. بوركت الأنامل

    تم التشرف بإضافة مدونتكم إلى قائمة المدونات الصديقة

    وتستاهل الدعاية :)

    ردحذف
  2. يسلم راسك على هذا الكلام الطيب الصريح

    ردحذف